السلطان بيبرس البندقداري هو أحد أبرز سلاطين المماليك في مصر والشام، ويُعدُّ من القادة العسكريين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في تاريخ المنطقة. هنا نبذة عن حياته من النشأة حتى الوفاة:
النشأة
وُلد بيبرس في عام 1223 ميلادية في منطقة تقع بين البحر الأسود وبحر قزوين، وكان ينتمي إلى قبيلة القيبجاق التركية. أُسر في شبابه وبيع كعبد في سوق الرقيق. تم شراؤه من قبل الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري، ومن هنا جاء لقبه “البندقداري”.
صعود بيبرس إلى السلطة
بدأ بيبرس مسيرته العسكرية كأحد المماليك في خدمة السلطان نجم الدين أيوب. أظهر بيبرس مهارات عسكرية استثنائية وتمت ترقيته بسرعة في صفوف الجيش. لعب دورًا بارزًا في معركة المنصورة عام 1250 ضد الصليبيين، مما ساعد في تعزيز سمعته كقائد عسكري لا يُهزم.
السلطنة
في عام 1260، بعد انتصاره في معركة عين جالوت ضد المغول، تولى بيبرس السلطة كسلطان المماليك. خلال فترة حكمه، قام بيبرس بتعزيز الدولة المملوكية وتوسيع نفوذها. شملت إصلاحاته تعزيز الجيش وبناء الحصون والقلاع وتطوير النظام القضائي.
الإنجازات العسكرية والإدارية لبيبرس
- معركة عين جالوت (1260): كانت هذه المعركة نقطة تحول حاسمة في تاريخ المنطقة، حيث تمكن بيبرس من هزيمة المغول وإيقاف تقدمهم.
- التحصينات والبنية التحتية: أنشأ بيبرس العديد من القلاع والحصون لتحصين الدولة، بما في ذلك قلعة الجبل في القاهرة.
- النظام القضائي والإداري: قام بإصلاحات إدارية وقضائية لتعزيز الحكم المركزي وتحديث النظام القانوني.
العلاقة بين بيبرس وسيف الدين قطز
النشأة المشتركة
كلا من بيبرس وسيف الدين قطز كانا مملوكين أصلاً، ونشآ في بلاط سلاطين المماليك. أصبحا قريبين في البداية حيث خدم كلاهما في جيش المماليك وتعلموا المهارات العسكرية.
الصداقة والتحالف
تحسنت العلاقة بين بيبرس وقطز أثناء حكم السلطان عز الدين أيبك والسلطان نور الدين علي. بعد اغتيال أيبك وصعود نور الدين علي إلى السلطة، كانت الفوضى تعم البلاد. خلال هذه الفترة، تآمر بيبرس وقطز للإطاحة بنور الدين علي، وهو ما تحقق في النهاية عام 1259 عندما تولى قطز السلطة.
معركة عين جالوت
كانت العلاقة بين بيبرس وقطز في أوجها خلال معركة عين جالوت الشهيرة عام 1260، حيث واجهت القوات المملوكية بقيادة قطز وبيبرس التتار. كانت هذه المعركة نقطة تحول رئيسية في التاريخ الإسلامي، حيث تمكّنوا من هزيمة التتار وكسر شوكتهم. لعب بيبرس دورًا كبيرًا في المعركة، حيث كان قائد الفرسان في الجيش المملوكي.
الصراع والتوتر
بعد الانتصار في عين جالوت، بدأت التوترات تظهر بين بيبرس وقطز. بيبرس كان يطمح إلى الحصول على مكافآت ومناصب رفيعة بعد المعركة، لكنه شعر بأنه لم يحصل على ما يستحق. في خضم هذه التوترات، قُتل قطز في أكتوبر 1260 خلال رحلة عودته إلى مصر، ويُعتقد أن بيبرس كان له دور في مقتله.
معارك بيبرس مع التتار
معركة عين جالوت (1260)
كما ذكر سابقًا، كانت معركة عين جالوت في 3 سبتمبر 1260 واحدة من أهم معارك بيبرس ضد التتار. كانت قوات المماليك بقيادة قطز وبيبرس قادرة على إيقاف الزحف التتاري نحو مصر والشام. هذا الانتصار أثبت أن التتار ليسوا لا يُقهرون وأعطى دفعة قوية للعالم الإسلامي.
الدفاع عن الدولة المملوكية
بعد عين جالوت، تولى بيبرس الحكم وواصل جهوده لتعزيز الدولة المملوكية ضد التتار. قام ببناء التحصينات والقلاع، وأعاد تنظيم الجيش، ووسع شبكات الجواسيس لجمع المعلومات عن التتار.
الحملات العسكرية
بيبرس قاد العديد من الحملات العسكرية ضد التتار، ليس فقط للدفاع عن الأراضي المملوكية، ولكن أيضًا لتوسيع نفوذ دولته. استطاع صد هجمات التتار المتكررة وألحق بهم هزائم كبيرة.
الإستراتيجية العسكرية
كان بيبرس معروفًا بمهاراته العسكرية وذكائه في التخطيط. اعتمد في قتاله ضد التتار على المرونة والتكتيكات الفعّالة مثل الكمائن والمفاجآت. كما أنه استفاد من المعرفة الدقيقة بتضاريس المنطقة واستخدمها لصالحه في المعارك.
بيبرس كان شخصية قوية وقيادية، وبفضل قدراته العسكرية والسياسية، تمكن من الحفاظ على استقرار الدولة المملوكية وتعزيز قوتها في مواجهة التهديدات الخارجية.
الوفاة
توفي السلطان بيبرس في عام 1277 ميلادية. هناك بعض الروايات التي تشير إلى أنه توفي نتيجة تناول سم، ولكن لا يوجد دليل قاطع على ذلك. دفن في القاهرة، حيث لا يزال ضريحه قائمًا حتى اليوم.
كان بيبرس شخصية قوية ومؤثرة في تاريخ المماليك، واستطاع بفضل شجاعته وحنكته العسكرية أن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الشرق الأوسط.